تحالف مهاتير محمد الجديد للمنافسة في الانتخابات الماليزية الخامسة عشرة.. فرص وتحديات

إعداد/ عبد الرحمن يونس

:مقدمة

في العامين الأخيرين عصفت بماليزيا حالة غير مسبوقة من الشد والجذب في سياستها الداخلية، تمثلت بانشقاقات أحزاب وتحالفات وتكوين أخرى، والتي كان من أبرزها تحركات الدكتور مهاتير محمد رئيس الوزراء السابق.

مهاتير محمد غاب عن رئاسة الوزراء منذ عام 2003 قبل أن يعود بقوة عند تشكيل حزب بيرساتو عام 2016 -المنشق عن حزب أمنو- ويقود تحالفًا جديدًا (الأمل) إلى فوز مذهل على (الجبهة الوطنية) في سن 92 ليصبح أكبر رئيس حكومة في العالم، قبل أن يقدم استقالته عام 2020 نتيجة خلافات مع حليفه أنور إبراهيم على تبادل الأدوار على رئاسة الوزراء، ويشكل حزبًا جديدًا أسماه بيجوانج (المحارب).

وبعد استقالة مهاتير من رئاسة الحكومة لم تستقر الأوضاع السياسية إلى الآن، فقد سقطت حكومة محي الدين ياسين بعد عام ونيّف من تشكيلها (مايو 2020- أغسطس 2021)، ثم جاء إسماعيل صبري نتيجة اتفاق هش مع زعيم المعارضة أنور إبراهيم، وخلال تلك الفترة شهدت البلاد الكثير من الأزمات؛ أبرزها كانت قضايا الفساد وكورونا وهبوط قيمة العملة المحلية وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، ما عرّض المسؤولين إلى حملة انتقادات كبيرة على المستوى المحلي.

وفي الأسبوع الأول من أغسطس الجاري أعلن الدكتور مهاتير محمد، تشكيل تحالف سياسي جديد تحت مسمى حركة الوطن (جيراكان تاناه إير) أساسه العرقي هو المالايوية التي تشكل قرابة 55% من سكان ماليزيا، ويجمع في طياته أربعة أحزاب تجمعها العرقية والدين وهي: بوترا، برجاسا، إيمان وبيجوانج الذي يقوده مهاتير وابنه، وجمع من الجمعيات والشخصيات الماليزية.

مهاتير أوضح أن الهدف من هذا التحالف هو مواجهة حزبه القديم (أمنو)، رافعًا شعار “توحيد الملايو في الكفاح من أجل الدفاع عن ماليزيا” في الانتخابات الخامسة عشرة التي من المفترض أن تكون في أغسطس العام المقبل، غير أن مراقبين تنبأوا بأنها ستكون خلال الأشهر الأولى من العام المقبل على أبعد تقدير. 

يأتي هذا الحدث متزامنًا مع انشقاقات كبيرة في التحالفات والأحزاب سواء المشارِكة في الحكم أو المعارضة، فقد ينقسم حزب أمنو الحاكم-وفق مراقبين- نتيجة الإخفاقات المتكررة والصراع على السلطة إلى ثلاثة تيارات؛ تيار يقوده رئيس الحكومة إسماعيل صبري، وتيار رئيس الحزب أحمد زاهد وتيار نجيب عبد الرزاق، في حين قد ينقسم الحزب الإسلامي إلى تيارين أحدهما يدعم أمنو والآخر يدعم حزب بيرساتو الذي قد ينقسم بدوره إلى تيارين أحدهما يتبع وزير الداخلية حمزة زين الدين، وآخر يتبع وزير التجارة الخارجية محمد ازمن علي، أما زعيم المعارضة أنور إبراهيم فقد أنتجت انتخابات حزبه الداخلية شرخًا كبيرًا بعدما فاز ممثلو الشباب فيها.

 ما سبق يعني أن كل الأحزاب الماليزية والحياة السياسية قد تعرضت لتغيرات جذرية، خاصة بعدما أقر البرلمان الماليزي تخفيض سن الاقتراع إلى 18 عامًا وبالتالي إضافة 5 ملايين ناخب جديد، وأيضًا إقراره قانونًا يضمن عدم الانشقاق من الأحزاب.

ولكن بين هذه السيولة السياسية في البلاد، ماهي فرص نجاح مهاتير في تحالفه الجديد، وما هي التحديات التي تواجهه؟

:الفرص

– يتمتع الدكتور مهاتير بخبرة سياسية كبيرة امتدت قرابة قرن من الزمان ما يجعله بطلًا قوميًا خبيرًا في خفايا القضايا الماليزية جميعها، إضافة إلى أنه رائد نهضة البلاد في القرن العشرين، بالتالي فإن اسمه سيكون سببًا كبيرًا في جمع الماليزيين حوله.

تجربته الكبيرة في العودة عام 2018، وشنه حملة واسعة فتح من خلالها أكبر قضايا الفساد في البلاد قد تقنع الناخبين بأنه الشخص الأمثل لقيادة البلاد مرة أخرى.

– تبنّي التحالف الجديد ورقتي الدين وعرقية الملايو كأساس له -الذين يشكلون أكثر من نصف السكان- قد يشكل حافزا كبيرًا لجمع الأصوات المالايوية لصالح التحالف الجديد.

– قضايا الفساد التي ظهرت مؤخرًا على التحالف الحاكم قد ترجّح كفة تحالف مهاتير في صندوق الاقتراع، باعتباره جسمًا سياسيًا جديدًا غير ملطخ بالفساد.

– إضافة 5 ملايين شاب جديد إلى سجل الناخبين (الذين ترعرعوا على سيرة وإنجازات الدكتور مهاتير في الكتب المدرسية) قد يجعلهم يميلون تلقائيًا إلى انتخابه في أول تجربة لهم.

:التحديات

يوجد الكثير من التحديات التي تواجه مهاتير محمد وتحالفه الجديد في الفترة المقبلة لعل أبرزها:

– الغياب عن المشهد، فتقدُّم مهاتير في السن (97 عامًا)، ومعاناته من أمراض الشيخوخة، قد تشكل عائقًا كبيرًا لنجاح التحالف الجديد.

– الظروف السياسية والاجتماعية وفساد الحزب الحاكم التي أعادت وهج الدكتور مهاتير عام 2018 قد تغيرت تمامًا.

– العنصرية التي تلفُّ التحالف الجديد عرّضه للانتقادات الكبيرة لأنها ستضع حاجزًا كبيرًا أمام غير المنتمين للعرقية المالايوية، وبالتالي خسارة أصوات قريبة من ال45% من السكان.

– الأحزاب التي شكّلت التحالف الجديد هي أحزاب حديثة وليس لها حضور سياسي سواء في البرلمان الرئيس أو في البرلمانات المحلية ولا تضم أسماء وازنة كثيرة، وبالتالي من الصعب عليها منافسة الأحزاب الكبيرة في البلاد كأمنو وبيرساتو وغيرها.

– كثرة الأحزاب السياسية والانشقاقات والاصطفافات والبرامج المختلفة يجعل الوضع الداخلي للبلاد مشحونا وقد تجعل الناخب يفقد الثقة بأي جسم سياسي جديد.

– الإصلاحات الدستورية التي تمت الفترة الماضية بمنع الانشقاق من الأحزاب بحكم التفاهم بين إسماعيل صبري والمعارضة، ورفع الحد الأدنى للأجور، والتركيز على مساعدة المتضررين من أزمة كورونا، وتخفيف التوجه نحو المشاريع العملاقة زادت من شعبية أمنو التي تضعضت سابقا بسبب قضايا الفساد، وبالتالي ستبقى تحديًا كبيرا أمام التحالف الجديد.

– إجراء الانتخابات المبكرة، قد يستفيد التحالف الحاكم منها بفضل الإصلاحات الأخيرة التي أنجزوها، وإظهار قدرتهم على إدارة أزمات البلاد، وبالتالي قد يلتف الناخبون حولهم، نظرًا لأن ما يهمهم هو الإنجاز الآني وليس البرامج الأيدلوجية التي تتشابه فيها معظم الأحزاب.

:التوقعات

نستنتج مما ذكر أن التحالف الجديد الذي سيخوض به الدكتور مهاتير محمد الانتخابات الخامسة عشرة يواجه صوبات وجودية وجوهرية في التأثير على السياسة الماليزية، على عكس ما فعله عام 2018 نظرًا لتغير الظروف المحيطة، فقضية الفساد التي عاد بها عام 2018 واتهم بها نجيب قديمة وليس لها حضور في المشهد الماليزي، إضافة إلى أن الأحزاب الجديدة عادة ما تفتقر إلى بنية تحتية واضحة يمكن أن تحوّلها إلى حزب وطني، وبالتالي هذا التحالف الجديد هو محاولة من الدكتور إثبات ارتباطه بالسياسة وأنه لا يزال قوميًا ماليزيًّا، وأن أقصى ما يمكن أن يفعله في الانتخابات المقبلة التي ستكون مبكرة -نظرًا لتحضيرات الأحزاب على الأرض، وتسريبات خارجة من أروقة المسؤولين- هو مناورة ومساومة للحصول إلى بعض المقاعد تؤهله لدخول البرلمان، وعودته تكون أقرب للتخريب وحجب الأصوات عن الأحزاب المالايوية الأخرى.

ومن جهة أخرى فإن الانتخابات المقبلة لا تضمن استقرارًا سياسيًّا للبلاد لأن الأشخاص والمكونات السياسية هي نفسها منذ أكثر من عقدين، وكذلك لا يوجد اختلافات جذرية بين الأحزاب في البرامج والأيدلوجيا، فمعظمها تعبر عن نمط سياسي واحد هو الصراع على السلطة، وبالتالي فإن احتمال تشكيل حكومة سياسية مستقرة تقود البلاد خمس سنوات متتالية هو احتمال ضئيل جدًا، وعليه فإن السياسيين سينشغلون بالوضع الداخلي وستبقى السياسة الخارجية الماليزية المقبلة كما هي، ما سيعرضها لخسارة مكانها دوليًّا في ظل تشكيل التنافس الشديد والاصطفافات العالمية الجديدة عقب الحرب الروسية الأوكرانية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *